اعتذار علني وصريح للدكتور الخشت !
* خلال شهري أغسطس وسبتمبر 2021، كتبتُ عدة مقالات، بلغ عددها 35 مقالاً، أوضحتُ فيها بعضاً من المخالفات المالية والإدارية والفكرية للسيد/ "محمد عثمان الخشت" القائم بعمل رئيس جامعة القاهرة.. كانت مقالاتي مؤيدة بالمستندات الأصلية، ومصحوبة بالأدلة الدامغة، فيما توقعتُ أن يكون أكبر فضيحة جامعية في تاريخ جامعة القاهرة وفي تاريخ الجامعات المصرية، ولا أزال عند اعتقادي هذا... انتهى الأمر، بعد إدلائي بأقوالي وتقديم مستنداتي أمام مكتب النائب العام على مدار عشر جلسات (حوالي 60 ساعة تحقيق) إلى لا شيء، ولم يتم استدعاء (الخشت) حتى حينه لسماع أقواله..
في المقابل، فقد أصدرت النيابة العامة قراراً بحبسي احتياطياً (إثر تحقيق لم يستغرق أكثر من ربع ساعة وفي غياب المحامي الخاص بي) لمدة 53 يوماً بتهمة "الإرهاب بالقول وتعطيل العمل بإحدى مؤسسات الدولة" على إثر تقدم الخشت بثلاثة بلاغات يتهمني فيها بالسب والقذف؛ مطالباً النائب العام بالتحقيق معي بواسطة نيابة أمن الدولة العليا لكوني أشّهر بموظف عام صادر له قرار تعيين من السيد رئيس الجمهورية (رغم أن قرار رئيس الجمهورية انتهت مدته قبل كتابة المقالات ونشرها).. وقد كانت هذه الفترة فارقة في طريقة تفكيري إزاء كثير من القضايا ..
والحقيقة التي وصلتُ إليها، واليقين الذي غمرني، والقناعة التي استقرت في ضميري، بعد ثمانية أشهر من هذا الصراع، هو أنني يجب أن أتقدم باعتذار علني وصريح للسيد/ "محمد عثمان الخشت" على تجرأي عليه، وعلى قيامي بالكشف عن جزء صغير ونزر يسير من ملف فساده في جامعة القاهرة.. اعتذاري له مستحق، وتأسفي له واجب، واعترافي بالخطأ في حقه ضرورة.. ولا عيب في الاعتراف بالخطأ، ولا ضير في الإقرار به، فذلك أفضل بكثير من التمادي في الضلال المبين.
أعتذر لك يا سيد (الخشت) لأنني لم أقدرك حق قدرك.. كنت أعتقد في قيامك بالفساد "الفردي الوسطي الجميل"، ولم أكن أدرك أنَّ هذا النوع من الفساد (العالي) لابدَّ له من شبكة علاقات تحميه، ومن "ناضورجية" تحرسه، ومن مسئولين كبار يتجاهلون الإشارة إليه، ومن هيئات مسئولة تغض الطرف عنه. لا يوجد فاسد يعمل بمفرده في هذا البلد.. الفساد مثل الكيف "مناولة"؛ لابدَّ له من صحبة.. سكوت هؤلاء اشتراكٌ ودعمٌ.. وتجاهلهم تورطٌ صريح.. ومؤازرة الظالم هو تعاونٌ معه في ظلمه.. كلنا شركاء في شبكة فساد (الخشت)!
أعتذر لك يا سيد (الخشت) لأنني أصبحت أعتقد أن الوصول والتحقق في هذا البلد الكريم لا يحتاج إلى مؤهلات أو كفاءات، فقط يحتاج إلى "ليونة" على حد تعبير الفاهم قوي الفنان سعيد صالح.. ليس مهماً أن تكون بلا تاريخ، ولا سابقة تميز، ولا أن تكون متحرشاً أصيلاً فكراً وسلوكاً منذ نعومة الأظافر، ولا أن تكون بلا موقف أو كلمة .. ليس مهماً أن تكون كل الدلائل تشير بوضوح إلى كونك فاسداً بالسليقة، ومنحرفاً بالطبيعة... وليس مهماً ألا تكون مناسباً للوظيفة، أو قادراً على تحمل المسئولية، أو صالحاً لمتطلباتها ولتبعاتها.. ليس مهماً ذلك كله.. المهم أن تكون شبكة علاقاتك ممتدة وموصولة.. تقلَّبْ على كل الموائد، والعبْ على كل الأحبال، وكنْ "خرقة" يستخدمها البعض لإزالة أوساخهم وقاذوراتهم.. المهم أن تصل وأن تتواصل مع منْ بيدهم الأمر والنهي.. في بلادنا، يا صاحِ، الأخلاق نسبية، والأصول منعدمة، والقانون لمن يخترقه، وأنت وشطارتك!
أعتذر لك يا سيد (الخشت)، لأنني أحسنت الظن بوزير التعليم العالي.. الوزير المسئول عن أحوال الجامعات "عمل من بنها".. ورفض التدخل في الأمر باعتبار أنني أناقش مسالة انفصالي عن زوجتي، أو أدعوه إلى الإدلاء برأيه في مشكلة تقسيم الإرث بيني وبين شقيقاتي.. الوزير أعرض ونأى بجانبه.. معالي الوزير فكَّر وقدَّر، ثم عبس وبسر، ثم أدبر واستكبر، ثم قال لمتحدث الوزارة الإعلامي رداً على طلبي مقابلته: لا أتدخل في مثل هذه الأمور المحرجة!! أحرجتني يا معالي الوزير.. حضرتك بتنكسف؟! مش تقول يا راجل!! لم يعمل الوزير كرجل دولة يطفىء حريقاً يحدث في إحدى أهم جامعاته، ولم يقم بدور مانع الحريق.. كان موقفه مائعاً وخانعاً وخاضعاً ولا يرقى لمستوى وظيفته.. وكان موقف وزارته كلها مثيراً للسخرية!
أعتذر لك يا سيد (الخشت) لأن وزير التعليم العالي المكسوف، عاجز عن تطبيق القانون، فيما يتعلق باستمرارك في القيام بعمل رئيس جامعة القاهرة.. القانون ينص على إعلان فتح باب التقدم لمنصب رئيس الجامعة بعد مرور عام على فتح باب التقدم السابق.. وتعيين أقدم نائب لرئيس الجامعة قائماً بعمل رئيس الجامعة لحين صدور قرار رئيس الجمهورية بتعيين رئيس جديد.. لماذا لا تطبق القانون يا وزير التعليم العالي؟.. فاتت سنة يا معالي الوزير.. أصبح قرار عمل الخشت قائماً بعمل رئيس الجامعة باطلاً ولاغياً.. أين أنت يا معالي الوزير؟!.. "اظهر وبان عليك الأمان"!!
أعتذر لك يا سيد (الخشت) لأنني أحسنت الظن بأساتذة الجامعة، وبزملاء العمل في جامعة القاهرة وخارجها.. توقعت أنهم لن يقبلوا ضيماً بزميل، ولن يصمتوا على العدوان عليه.. توقعت منهم أن يقولوا: "أُكِلنا يوم أُكِل الثور الأبيض".. الصمت الرهيب كان سيد الموقف.. والخذلان هو الفعل السائد، والتبرأ هو الاتجاه المسيطر.. قطع كثير من الزملاء صلتهم بي، وتجاهل معظم أصدقائي الرد على هاتفي.. ما لنا بهذا الرجل الذي تحاربه الدولة؟ تعالت صيحاتهم: أخرجوا "أيمن ورفاقه" من الجامعة "إنهم أناس يتطهرون"! .. أساتذة الجامعة مثل غيرهم ليسوا مفكرين و"لا يحزنون"، وليسوا أصحاب مواقف أو رسالات كما يزعمون، هم يأكلون (عيش) والسلام، ويغمسونه بذل الصمت والطناش والرغبة في الترقي أو المصلحة! كلنا ذلك الرجل يا صاحِ!
أعتذر لك يا سيد (الخشت)، لأن وسائل إعلامنا التي تحرص على كشف فساد المسئولين في "أنقرة" و"اسطنبول" وعلى تتبع أخبار الخونة في "الدوحة" و"كوالالمبور"، لم يلتفتوا إلى الفساد في جامعة القاهرة وضواحيها.. بل قاموا بعمل حملة "غسيل سمعة" لكم في أهم وسائل الإعلام المصرية.. عملية "شراء الذمم" و"استكتاب الأقلام" في وسائل الإعلام، كانت ناجحة جداً، وموفقة للغاية.. ارتكزت خطة إفسادكم لها على أربع دعائم رئيسة: الاشتراك في الصحف وشراء نصف المطبوع منها لصالح جامعة القاهرة، فتح مستشفيات جامعة القاهرة للإعلاميين وأسرهم، إعفاء أبناء الإعلاميين من مصروفات الدراسة في البرامج المتميزة (التي تصل مصروفاتها إلى ستين ألف جنيه في العام الدراسي الواحد)، إضافة إلى الهدايا العينية والنقدية (لدينا قائمة بأسماء الإعلاميين الذين استفادوا من هذه المزايا لمن يهمه الأمر).. كل هذه الأساليب أتت أكُلها يا سيد (الخشت) .. سَهَّلتَ الطريق ومهدته لمن سيأتي بعدك .. الوصفة مجربة ومضمونة.. و"عماد مأكد لي"!!
أعتذر لك يا سيد (الخشت) على حسن ظني بالمستقبل في ضوء وجود أمثالكم وممن هم على شاكلتكم ومن هم في قدراتكم ومواهبكم .. أصبح (الخشت) ليس اسماً دالاً على شخص، بل على طريقة عمل، وعلى أسلوب إدارة.. فكر كأنك (الخشت)، واعمل كأنك (هو)، تكن لك الدنيا وما فيها.. هنيئاً لنا به في "الجمهورية الجديدة"!
الحقَّ الحقَّ أقول لكم : مفيش فايدة!!